التأمين الصحي الاجتماعي هو تأمين إجباري ظهر في أوروبا
أواخر القرن التاسع عشر، واتسع خلال ثلاثينات القرن العشرين في أمريكا اللاتينية،
وغالباً ما يغطي الموظفين الحكوميين ومن يتبعون أعمالاً نظامية لسهولة تحصيل المساهمات
منهم، كونه يرتكز على المساهمة بجزء من الراتب للحصول على منافع محددة، وغالباً ما
يكون جزءاً من نظام اجتماعي أشمل مثل نظام التأمينات الاجتماعية والتقاعد وغيرهما،
ومع ذلك ينصح بأن يكون ذا ميزانية وإدارة مستقلة لأن أي نوع آخر من التأمينات يرفق
معه غالباً ما يؤثر عليه سلباً بأن يتم صرف المبالغ المجموعة للتأمين المضاف على
حساب التأمين الصحي، وبشكل عام فإن معظم أنظمة التأمين الصحي الاجتماعي لا يمكنها
أن تستمر دون دعم إضافي من الحكومات.
ويتم إدارة هذا النوع من التأمين عبر هيئة مستقلة يتكون
مجلسها من الحكومة وممثلين عن المجتمع، وتكون الهيئة مسؤولة عن جمع المخصصات
وتوزيعها على مقدمي الخدمات الصحية، إضافة إلى تقييم كفاءة مقدمي الخدمة، بينما
يرتكز دور وزارة الصحة على وضع السياسات وإدارة البرامج الوطنية وترخيص مقدمي
الخدمات الصحية.
وتكون فرصة نجاح هذا النوع من التأمين أكبر إذا توفرت له
بيئة مناسبة تتصف بما يلي :
1- تكون
فرصة نجاحه أكبر عندما يعتمد على أنظمة ضريبية شمولية، ولهذا نجد أن نجاحه غالباً
في الدول ذات الخلفية الاشتراكية.
2- ويسهل
انتشاره في الدول ذات مستوى الدخل العالي كما هو الحال في ألمانيا وكوريا الجنوبية،
لذلك نجد أن مستوى الانتشار في تايلاند بلغ 13% خلال عقد من الزمن بينما بلغت
اندنوسيا نفس المعدل بعد ثلاثة عقود لأن مستوى الدخل
في تايلاند أضعاف الدخل في اندنوسيا، وبالمثل نجد في الأرجنتين أن معدل انتشاره
أكثر من ضعف المعدل في المكسيك مع أنه بدأ تطبيقه في كليهما قبل حوالي ثمانية عقود
وذلك لأن مستوى الدخل في الأرجنتين أعلى، كما تجاوز معدل التغطية في كوريا
الجنوبية 90% مع أنها بدأت تطبيقه عام 1977 بينما وفي نفس الفترة تقريباً لم
تتجاوز التغطية 15% في دول أخرى مثل الفلبين وبوروندي وناميبيا والخلاصة أنه يوجد
علاقة تامة بين مستوى الدخل ومستوى الانتشار .
3- و
تكون فرصة البلدان الصناعية بالنجاح في تطبيقه أكبر من الدول الزراعية لأن معظم
العاملين فيها يندرجون ضمن مؤسسات وشركات ومصانع ومعامل (حكومية وخاصة).
4- وكذلك
تكون فرصة نجاحه أكبر في الدول التي يتكثف سكانها في مدن محدودة بحيث يسهل إيصال
الخدمات الصحية لهم. (ومن المفارقات أن يمننا الغالي من أعلى الدول على مستوى
العالم من حيث التناثر الجغرافي للسكان).
5- تكون
فرصة نجاحه أكبر في الدول ذات الشعوب الأكثر تعليماً وتأهيلاً لأنهم يتعاملون مع
التأمين بمستوى أرقى، كما تحتوي دول كهذه كوادر وطنية في كافة الاختصاصات الطبية
والإدارية والتأمينية بما فيها الاكتوارية، وبالتالي فهذه الدول لاتحتاج لاستقدام
كوادر خارجية تثقل كاهل مخصصات التأمين الصحي نتيجة لمضاعفة النفقات الإدارية.
6- وتكون
فرصة نجاحه أكبر عند وجود خدمات صحية جيدة ومتكاملة ومنتشرة في الريف والحضر.
7- ولكن
لا يوجد أي فرصة لنجاح هذا النوع من التأمين إلا في دول تحوي أنظمة إدارية ومالية
محكمة وشفافة وذلك لأن غياب هذه الأنظمة يجعل من المتعذر تحصيل المساهمات من
القطاع الخاص، كما يؤدي الاحتكار لتفشي الفساد بما في ذلك إنفاق المساهمات في غير
ما جمعت لأجله مما يؤدي لانهيار نظام التأمين الصحي.
وفي المقابل نجد أن الوضع يختلف تماماً عند محاولة تطبيق
نظام التأمين الصحي الاجتماعي في الدول التي يكثر فيها العاملون غير الرسميين من
مزارعين وصيادين وحرفيين (الذين يصعب جمع المساهمات منهم)، وتلك التي ينتشر فيها
السكان في مناطق متناثرة، ويزداد الأمر صعوبةً إذا كانت الدول تشكو من الضعف
الإداري وتدني مستوى الدخل والتعليم وشحة الكوادر الوطنية و تدني جودة الخدمات
الصحية ومحدودية انتشارها، ويصعب في بلدان كهذه انتشار التأمين الصحي الاجتماعي بصورة
مقبولة، لذلك نجد أن عدداً من الدول كانت تعتقد أن التأمين الصحي الاجتماعي سوف
يحل مشاكلها لكن نتائجه خيبت الآمال، كما حدث في بعض بلدان أمريكا اللاتينية التي
بدأت هذا النوع من التأمين منذ ثلاثينيات القرن الماضي (حوالي 80 عاماً) ولازالت
التغطية التأمينية منخفضة كما في بوليفيا والبارجواي والسلفادور (نسبة التغطية بين
11-18% )، لأن مستوى دخل الفرد أقل من 2000 دولار سنوياً.
وعلى ضوء ما تقدم ، نجد أنه لا يوجد
أي فرصة لنجاح التأمين الصحي الاجتماعي في يمننا الغالي إذا صممت الحكومة على
تطبيقه بالصورة التي ترغب بها وزارة الصحة، وهذه شهادة نتحمل مسؤوليتها أمام
الأجيال القادمة، ومن كان لديهم رأي آخر فندعوهم لحوارات معلنة حتى نتعلم منهم،
ومع ذلك وحتى لايصاب المستبشرون بهذا القانون خيراً بالإحباط فنطمئنهم أن هناك
إمكانية للبدء بالتأمين الصحي الوطني وتفعيل قانون
التأمين الصحي الاجتماعي حتى مع جميع ما أوردناه من تحديات واشتراطات، ويمكن أن
نناقش ذلك إذا طلب منا ذلك في مقالات قادمة بإذن الله تعالى