مشروع قانون التأمين
الصحي الإجتماعي ؟؟؟
ما رأيكم في مشروع
قانون التأمين الصحي بوضعه الحالي؟
ابتداءً أشكر لكم اهتمامكم بهذا
الموضوع الحيوي، حيث سبق لي في عدد سابق أن تحدثت عبر صحيفتكم عن مشروع قانون
التأمين الصحي الذي قامت وزارة الصحة العامة والسكان بإعداده والذي اعتمد على
النهج الشمولي المبني على وجود هيئة تأمين صحي تقوم بجباية 14% من راتب كل موظف
(حكومي أو خاص) بقوة القانون ومن ثم تقوم بمعالجة المؤمن عليهم في الجهات التي
تحددها هي، وإذا تم إقراره كما قدمته وزارة الصحة فمصيره الفشل التام عند تطبيقه،
وهذا ما ذكرته وأذكره دوماً عبر المقابلات والمقالات العديدة كشهادة أمام الأجيال
القادمة وأتحمل المسؤولية العلمية والتاريخية لكل كلمة أقولها، بينما يصعب أن
تتحمل القيادات الصحية الحكومية مسؤولية قراراتها الخاطئة لأنها ستكون قيادات
سابقة عندما يتم اكتشاف فداحة الخطأ المرتكب في حق المواطن والوطن
هل ترون أن المشروع راعى دخل
المواطن؟
لم يراع مشروع القانون أية اعتبارات
مالية، فمن السهل جداً أن تشرع اقتطاع نسب من رواتب الموظفين، ومن السهل اقتطاعها
–مركزياً- من الموظف الحكومي (والاقتطاع هو الأمر الوحيد المضمون أن يتم)، أما
تحصيل النسب الصحيحة من القطاع الخاص أو تقديم خدمات صحية ملائمة فهذا أمر مشكوك
فيه، ومما يؤكد أن مشروع القانون تعامل مع الجوانب المالية بعشوائية وارتجال، أن
وزارة الصحة سبق لها أن وضعت مسودة مشروع أشد إجحافاً بحق المواطن وأمام جهودنا
الشخصية بالتعاون مع عدد من الجهات المهتمة (نقابية وحكومية –وبالأخص وزارة
الداخلية واتحاد نقابات العمال) أمكن تحسين بعض مواد المشروع حيث كانت الهيئة
تلتزم بمعالجة الموظف منفرداً، تم إدراج زوجة الموظف وخمسة أطفال، وكانت تقتطع
نسبة 10% كمصاريف إدارية وخفضت إلى 3% وكانت نسبة الاقتطاع من الراتب لمواجهة
إصابة العمل 2% وخفضت إلى 1%، وكانت نسبة ما يدفعه المواطن كمشاركة في الكلفة 33%
وخفضت إلى 20%، والسؤال كيف يمكن تعديل الاستقطاع أو المنافع دون أي دراسة
إكتوارية دقيقة، إن الوزارة بكوادرها المتواضعة –في هذا الشأن بالذات- لا تدرك
الأبعاد والآثار المالية لكل تحوير مهما كان ضئيلاً، وكان عليها أن تستشعر ضرورة
وجود تحليل مالي يفسر قابلية تنفيذ كل تعديل، وكأن وزارة الصحة العامة والسكان
وضعت أمامها هدفاً محدداً هو "خروج مشروع قانون للتأمين الصحي" دون أن
يعنيها إمكانية تطبيقه من عدمه.
هل شارك القطاع الخاص في وضع مشروع
القانون؟
لم يكن للقطاع الخاص أي دور يذكر، بل
لم يطلعوا على مشروع القانون أصلاً، وهنا نقصد كافة الجهات الخاصة ذات العلاقة
سواءً مقدمي الخدمات الصحية أو شركات التأمين أو الشركات والمؤسسات التجارية
أوالصناعية، حيث همشت تهميشاً تاماً وكأنها غير موجودة أو أن المشروع لا يمسها من
قريب أو بعيد، وكأن وزارة الصحة تتداول أمراً داخلياً، وحتى في المرة الوحيدة التي
دعت الوزارة عدداً محدوداً –جداً- من القطاع الخاص في ما أسمته ندوه عن التأمين
الصحي حضر ممثلو القطاع الخاص ليستمعون لعدة محاضرات وانصرفوا دون أن يتحدث أحد عن
مشروع القانون المرتقب حتى أن وزير الشؤون القانونية يومها انتقد اللقاء واستغرب
عن سبب الاجتماع طالما أن مسودة مشروع القانون لم يتحدث عنها أو يطلع عليها أحد من
الحاضرين، ومن الغريب أن وزارة الصناعة والتجارة كانت مغيبة عن الندوة اليتيمة
تماماً.
ما هي أسباب عدم مشاركة القطاع
الخاص؟ هل بسبب تقصير القطاع الخاص أم بتهميش الحكومة له؟
الأمران معاً فالقطاع الخاص تعامل مع
الموضوع ببساطة دون إدراك كافي لأبعاد إقرار القانون وإنعكاساته عليهم وقد حاولت
مراراً لفت نظر القطاع الخاص لأهمية تدخلهم في وقت مبكر، ولكن القطاع الخاص تعود
أن يصمت حتى يواجه مشاكل قائمة يصعب التعامل معها، ولعل من أسباب تقصير القطاع
الخاص في ذلك أنه لم يتوقع جدية خروج المشروع لأن الحديث عن مشروع قانون التأمين
الصحي بدأ منذ عام 1990م وفي كل مرة يحدث تعثر يحول دون خروج المشروع، فلم يتعامل
القطاع الخاص مع الأمر بجدية، ولا نغفل أن السبب الأهم هو تجاهل الحكومة ممثلة في
وزارة الصحة العامة والسكان للقطاع الخاص لأنها لسوء الحظ تعاملت مع القطاع الخاص
كخصم وليس كشريك أساسي بسبب تبنيها لنهج شمولي بعيداً عن الاقتصاد الحر.
هل يلبي مشروع القانون تطلعات أصحاب
شركات التأمين؟
شركات التأمين في وادٍ آخر كون
طموحاتها بشأن التأمين الصحي لا زالت متواضعة لمحدودية ممارستها ومعرفتها لهذا
النوع من التأمين وبالتالي فإن التطلعات –حالياً- متواضعة أيضاً، ولكن هذا الأمر
مؤقت ولن يدوم، فالقطاع الخاص لديه ديناميكية عالية وستشهد شركات التأمين تطوراً
كبيرا ًفي الشهور القادمة ولاسيما مع مباشرة شركة (المتخصصة للتأمين الصحي) لعملها
أواخر العام الماضي كأول شركة متخصصة في هذا الشأن والتي يمكن أن نعد تأسيسها
البداية الفعلية لممارسة التأمين الصحي الخاص في اليمن، كونها ركزت على تبديد
مخاوف الشركات الأخرى حيال التأمين الصحي بما يمكنها تقديمه من دعم فني وتقني
وتدريبي للشركات الأخرى، وحالياً بدأت عدد من الشركات في الاعتماد على المتخصصة في
إدارة هذا النوع من التأمين بشكل متنامي، وخلال عام واحد ستتمكن عدد من شركات
التأمين الطموحة أن تستحدث أقسام خاصة بالتأمين الصحي سواءً بدعم فني وتقني من
المتخصصة أو بالتعاون مع شركات دولية، ومع كل هذا التطور الوشيك فإن شركات التأمين
لن تتطلع أن يجبر القانون مختلف المؤسسات والشركات بأن تؤمن على موظفيها لدى شركات
التأمين المحلية كما هو الحال في المملكة العربية السعودية وإنما أقصى ما تتطلعه
أن يترك المجال مفتوحاً للمنافسة بحيث تضع الحكومة الضوابط العامة للجهات
التأمينية ولمقدمي الخدمات الصحية وتدع الباب مشرعاً للتنافس الخلاق الجالب لمزيد
من التطور والإبداع.
هل يستطيع القطاع الخاص أن يتدارك
الموضوع ويضع بصماته على القانون؟
إذا بقي القطاع الخاص على سلبيته
حيال ذلك فلن يمكنه بالطبع فعل شيء، أما إذا تكاتف القطاع الخاص عبر الجهات
الممثلة له من جهات حكومية واتحادات ونقابات وجمعيات وغيرها فلا شك أن بإمكانه أن
يقول كلمته في الدفاع عن حقوقه المشروعة.
البعض يشكك في أن البرلمان سيخرج القانون دون أي تعديل؟ ما رأيكم
في ذلك؟
أختلف مع هذا الطرح، فمشاريع
القوانين تحال إلى اللجان البرلمانية المختصة بعد أن يقرها المجلس بشكل مبدئي، ومن
حسن الطالع أن لجنة الصحة العامة والسكان تحوي نخبة من المختصين من أساتذة جامعيين
وأطباء بل إن من بينهم مختصين في الصحة العامة، والأهم من كل ذلك أن لجنة الصحة
والسكان بمقدورها أن تدعوا كل الجهات ذات العلاقة سواء من وزارة الصحة أو القطاع
الخاص أو النقابات ومناقشتهم بالتفصيل ومن حق المجلس أن يعدل القانون برمته وليس
مجرد مواد محددة والتي تعد موضوع الخلاف مع وزارة الصحة، إضافة إلى موضوع الخلاف
الرئيسي والمتمثل في رغبة الوزارة في استحداث هيئة للتأمين الصحي وتبني آلية
التأمين الصحي الاجتماعي، ونحن على يقين أن مجلس النواب لن يقع في الخطأ الذي
ارتكبته وزارة الصحة بتهميشها لما عداها تهميشاً تاماً لشعورهم بحجم المسؤولية
الملقاة على عواتقهم كونهم ممثلين عن الشعب وما سيقرونه من قوانين سيسري على الشعب
بأكمله بأكمله، ولكي أدلل على ما أقوله فيكفي أن تعلم أن لجنة الصحة والسكان
ونتيجة لاهتمامها بمشروع قانون التأمين الصحي سبق لها أن عقدت اجتماعاً خاصاً
لمناقشة المشاريع السابقة للتأمين الصحي قبل أن يحال إليها المشروع بوقت طويل وقد
استدعتني اللجنة كاستشاري في التأمين الصحي واستمعت اللجنة مني لكافة الملاحظات
ولمست منها اهتماماً وحرفية عالية ولهذا لم ينتابني أي قلق من العثرات التي حواها
مشروع القانون ليقيني أن مجلس النواب قادر على تلافيها، وبإمكان من يشكك في ما
أقوله أن يتابع جلسات مجلس النواب ليرى أن مجلس النواب يعد في أفضل حالاته منذ
سنين حيال مراقبة ومحاسبة أعضاء الحكومة، ولأن معظم من يقومون بمسائلة الوزراء هم
أعضاء الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي العام فالأمر يدعو للتفاؤل لأن
الأكثرية الذين منحوا الثقة للحكومة هم وحدهم الذين يمكنهم نزعها عند اللزوم،
ويبقى المحك الفاصل هو وجود الرغبة الحقيقية لتصحيح المسار وهذا ما نتوسمه في نواب
الشعب.
أخيراً نود أن
نسألكم عن وجهة نضركم حيال سبب إصرار وزارة الصحة على تأسيس هيئة للتأمين الصحي
وتنبني آلية التأمين الصحي الاجتماعي؟
من المؤكد أن الوزارة ليست بعيدة عن
الواقع اليمني لأنها جزء منه بما يحويه من بيروقراطية وتواضع في الأداء الإداري بل
وما فيه من فساد أيضاً، كما أن الوزارة لا ترغب أن تجني مكاسب ماديه من هذه
الهيئة؟ لأن قيادات الوزارة يعلمون يقيناً أن بقاءهم في مواقعهم أمر مؤقت،
وبالتالي فقد يجتهدون في انتزاع تشريع يقضي بتأسيس هيئة تجمع أقساط التأمين الصحي
بقوة القانون من ملايين المواطنين وبعد نجاحهم في ذلك يتم استبدالهم بغيرهم، بل قد
يتم استبدالهم بقيادات من أولئك الذين كانوا يخالفونهم الرأي، بحيث تشرف القيادات
الجديدة على المليارات التي ناضلت القيادات الحالية لجمعها، لكن الوزارة لها أسباب
أخرىº تبدو وجيهة وتستحق النقاش، لهذا اسمحوا لي أن أتحدث عن هذا الأمر
بالتفصيل لنناقش سوياً أسبابهم الفعلية لتبني التأمين الصحي الاجتماعي كمسلك
مستقبلي، حتى يتضح لغير ذوي الاختصاص ما هي الحيثيات التي يتبناها مؤيدو هيئات
التأمين الصحي الحكومية والتي نقلت الوزارة عنهم رؤيتها للأمر برمته ونلخصها في ما
يلي:
رؤية وزارة الصحة
العامة والسكان للتأمين الصحي وعلاقته بالاقتصاد الحر:
ترى الوزارة أن الحكومة هي المعنية
بإدارة اقتصاديات الدولة، وتخطيط العمليات الاقتصادية، وترى أن تنامي دور الاقتصاد
الحر الذي يشجع التنافس ويعزز دور القطاع الخاص، يتماشى مع القطاعات الخدمية
الأخرى مثل الاتصالات والكهرباء والنقل وغيرها ولكنه لا ينطبق على قطاع الصحة
للأسباب التالية:
1. محدودية مقدمي
الخدمات الصحية: لأنها تتطلب خبرات خاصة وإمكانات كبيرة، وشروط تأهيل صعبة، الأمر
الذي يقلل من عدد مقدمي الخدمة بيمنا الاقتصاد الحر يتطلب كثرة عدد المقدمين
للخدمة.
2. الحصول على الخدمة
فائدته تتعدى المستفيد الأول إلى آخرين: لأن معالجة المريض تمنع وقوع غيره في
المرض وبالتالي فالعناية بالصحة ليس أمراً فردياً يقتصر على الشخص نفسه بل يتعدى
ذلك إلى المجتمع، بينما يرتبط الاقتصاد الحر بحصول المستهلك على الفائدة منفرداً.
3. وجود فجوة معرفية
بين مقدمي الخدمات الصحية وبين المنتفعين منها (المرضى): والمقصود محدودية
المعلومات التي لدى المريض عن الخدمات الصحية مقارنةً بمن يقدمها، الأمر الذي
يجعله يعتمد على ما يمليه عليه وهذا يتعارض – حسب قناعاتهم – مع الاقتصاد الحر
الذي يجب أن يكون البائع والشاري لديهم إلمام كافي بالمعلومات المتعلقة بالخدمة.
4. عدم تجانس الخدمات
الصحية المقدمة: حيث أن كثيراً من التدخلات الصحية لا يوجد لها بديل، وهذا يتعارض
مع الاقتصاد الحر.
5. محدودية عدد
المستهلكين للخدمات: حيث ينحصر المستفيدون من الخدمات الصحية في المرضى فقط، بيمنا
الاقتصاد الحر يتطلب كثرة عدد المستهلكين.
6. عدم القدرة على
استقراء المستقبل في المجالات الصحية: حيث لا يمكن توقع المرض لعشوائية حدوثه، كما
أن أثر التدخل الطبي أمر غير حتمي ويختلف من مريض لآخر وهذا يتعارض مع الاقتصاد
الحر المبني على معطيات أكثر وضوحاً وثباتاً.
وبناءً على ما سبق
فإن أصحاب هذا التوجه ومعهم بعض المنظمات الدولية _المثالية_ يرون أن وزارة الصحة
يجب أن تتدخل بشكل كبير في النظام الصحي لضمان العدالة التي لا يحققها الاقتصاد
الحر (اقتصاد السوق)، ولضمان كفاءة توزيع المخرجات وفعاليتها ومأمونيتها والحرص
على توسيع نطاق الخدمات الصحية وإيصالها إلى أكبر قدر ممكن من السكان.
مناقشة الرؤية
التي تتبناها وزارة الصحة:
أثبت الاقتصاد الحر نجاحه لاسيما مع
تأثيرات العولمة وانهيار اقتصاديات الدول الاشتراكية وتحولها لتبني مفاهيم
الاقتصاد الحر، ولذلك فليس هذا موضع نقاش، إنما نقاشنا هنا حول استثناءً التأمين
الصحي من الاتجاه الدولي السائد نحو الاقتصاد الحر لما له من خصوصيات، فنلخص ردنا
على ذلك في ما يلي:-
1. عند الحديث عن
محدودية مقدمي الخدمات الصحية فإن الاقتصاد الحر هو وحده القادر على مضاعفة مقدمي
الخدمات الصحية أضعافاً كثيرة، ويؤيد ذلك ما شهده عقد التسعينات من زيادة كبيرة
لأعداد المنشئات الصحية عند سماح الحكومة بدخول القطاع الخاص، ومع تواضع مستوى
المنشئات الخاصة –حينها- فإن ذلك ناتج عن القصور الإداري وضعف الإشراف لدى وزارة
الصحة عبر السنين، وهذا لا ينفي أن القطاع الخاص شهد قفزات نوعية كبيرة (نوعاً
وعدداً)، بيمنا نجد أن المنشئات الحكومية لم تشهد تحسناً يذكر حتى مع استحداث
القيمة المضافة التي تحملها المواطنون، وبناءً على ذلك فإن تبني الاقتصاد الحر هو
السبيل لانتشار الخدمات الصحية في الأماكن التي لم تتمكن وزارة الصحة من بلوغها
والتي تمثل حوالي 70% من الريف اليمني، أما عن صعوبة شروط التأهيل لمقدمي الخدمات
الصحية فلكل حرفة أو صنعة متطلباتها ومع التقدم التقني أصبحت المتطلبات تزيد
تدريجياً حتى في الأعمال التي كانت نمطية إلى وقت قريب.
2. نتفق مع القائلين
أن الخدمة الصحية فائدتها تتعدى المستفيد الأول، وبالتالي فإن العناية بالصحة ليس
أمراً فردياً، ولكن هذا الأمر ينطبق بشكل رئيسي على الخدمات الوقائية _بمستوياتها
المختلفة- ولذلك فإن الخدمات الوقائية يجب أن تبقى مسؤولية وزارة الصحة العامة
والسكان وبحيث لا تندرج ضمن التأمين الصحي سوى الخدمات العلاجية التي تتعلق
بالمؤمن عليهم بدرجة أكبر من تعلقها بالمجتمع ككل.
3. أما بشأن الفجوة
المعرفية بين مقدمي الخدمة والمرضى، فإن هذا أمر يتعلق بكافة الاختصاصات ومختلف
الأنشطة الإنتاجية، فهل يعلم مقتنو السلع عنها ما يعلم صانعوها؟ إن ما يعلمونه لا
يتجاوز معلومات عامة ترتبط بمستوى ثقافتهم أو بخبراتهم السابقة، وهذا الأمر نفسه
ينطبق على الخدمات الصحية، ومع كل ذلك فإن تطبيق التأمين الصحي يستلزم إشراف
الجهات المؤمنة على الخدمات الصحية المقدمة من خلال أطباء مختصين الأمر الذي يجعل
مشترو الخدمة (الجهات المؤمنة) لا يشكون من فجوة معرفية مع بائعي الخدمة (مقدمي
الخدمات الصحية).
4. الحجة المعتمدة
على أن كثيراً من التدخلات الصحية لا بديل لها وبالتالي فذلك يتعارض مع الاقتصاد
الحر، حجة لا قيمة لها لأن عدم وجود بديل للإجراء الصحي لا يعني تفرد جهة واحدة في
تقديمه، فطالما أن فرصة الاختيار متاحة فلا مكان هنا للاحتكار، وحتى لو بدأ مقدم
خدمة واحد بمفرده فإن ذلك لا يدوم تحت مظلة الاقتصاد الحر فإن الربحية التي يحققها
الرواد في تقديم الخدمة يدعو غيرهم لسلوك مسلكهم مما يؤدي إلى استقرار الأسعار عند
مستوى مناسب، وهذا الطرح قد يكون أكثر ملائمة عند الحديث عن الأدوية النادرة
لخضوعها لقوانين حماية تمنع الغير من تصنيعها خلال فترة معينة قد تطول أحياناً،
ومع ذلك نجد أن سوق الدواء لا يخضع للنهج الشمولي الذي تنادي به الوزارة، بل إن
الفكرة الفريدة المتمثلة في صندوق الدواء ومع ما وجدت من تقدير ودعم من الجهات
المانحة لكن فشلها خيب الآمال، وفي المقابل نجد القطاع الخاص الدوائي في اليمن
مستمر في الازدهار وتمكن من تصنيع الأدوية، ويمكن أن يشهد التأمين الصحي تطوراً
مماثلاً لما يشهده سوق الدواء في حال نجا من هيمنة وزارة الصحة العامة والسكان
وهيئة التأمين المرتقبة.
5. محدودية عدد
المستهلكين للخدمات الصحية أمر غير واقعي لأنه نادراً ما تجد شخصاً ينقضي العام
دون أن يراجع طبيباً أو يجري فحصاً أو يشتري دواءً، بينما نجد سلعاً/ خدمات أخرى
قد يستغني عنا الشخص طول حياته، ونجد سلعاً/ خدمات أخرى يتم إنتاجها لشريحة محدودة
فقط، ولم يمنع ذلك من أن تندرج ضمن الاقتصاد الحر، وبالتالي فإن الخدمات الصحية
تعتبر من أكثر الخدمات طلباً ويزيد الطلب عليها بتوسع الخدمات الصحية وزيادة
جودتها.
6. عشوائية حدوث
المرض وظنية فعالية التدخل الطبي أمران لا علاقة لهما بآلية الاقتصاد المتبعة
(سواء الاقتصاد الحر أو الاقتصاد الاشتراكي)، وذلك لأن مسألة الاحتمالية هي
الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها موضوع التأمين الصحي برمته، أياً كان نوع
التأمين الصحي المتبع سواء تأميناً اجتماعيا أو مجتمعا أو خاصاً أو غيره.
ونخلص من مناقشة العناصر الستة
السابقة أن وزارة الصحة تتمسك بأهداف وطموحات نبيلة وراقية لكنها بعيده عن الواقع
تتعلق بالتزام الحكومات بتقديم خدمات صحية فعالة ومأمونة ذات جودة وبأقل كلفة
وبحيث يتيسر للجميع الحصول عليها مع ضمان التوزيع العادل والتمويل المستدام، وهي
أشبه بأهداف مثالية سابقة نتفق معها تماماً وضعت لصندوق الدواء ولنظام المعلومات
الصحية ولبعض عناصر إستراتيجية إصلاح القطاع الصحي، وأثبتت السنون أن ليس كل كلام
مكتوب بمثالية وبمنتهى حسن النية قابل للتطبيق، حتى لو أشرف على كتابته أقدر
الخبراء وترجم إلى عدة لغات، بل على العكس قد يسبب في ضياع سنين من عمر دول استكثرت
على نفسها أن تفكر بعقول أبنائها واكتفت بنقل تجارب (بالية) مبنية على أهداف
(حالمة) تصطدم عند تطبيقها بواقع له الكثير من الخصوصيات التي لم تجد دراسة كافية
وتقييم متأني، ولنا هنا أن نؤكد أن هناك مجتمعات يمكن للنمط المقترح أن ينجح فيها
كما في ألمانيا والأرجنتين، ولكن عندما يكون النظام الصحي الحكومي قادراً على ذلك
والظروف الديموغرافية والاقتصادية للبلد في وضع أحسن وليس كما هو الحال عندنا في
اليمن حالياً.
ومع أننا لسنا هنا بصدد تقييم أداء وزارة الصحة العامة والسكان
ومدى نجاحها في تطبيق خططها خلال العقد الأخير، ولكن الحديث عن موضوع بحجم قانون
للتأمين الصحي الوطني وإقرار اقتطاعات قانونية على مختلف القطاعات أمر يتجاوز
القدرات الحالية لوزارة الصحة العامة والسكان ولا بد أن يحشد لأجل ذلك كل ذوي
الخبرة والاختصاص وممثلي الجهات الأكثر علاقة بالقانون من جهات ذات أعداد كبيرة
ومختلف النقابات وممثلي القطاع الخاص ومقدمي الخدمات الصحية والتأمينية بحيث يمكن
حينها أن يخرج قانون يجمع عليه الجميع وفي مقدمتهم نواب الشعب كي يكون مدخلاً
حقيقياً للبدء بالتأمين الصحي الوطني بإذن الله تعالى.